فصل: الفصل العاشر: فيما يجب أن يؤخر عن هذا الموضع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.الفصل الثامن: تدبير الماء والشراب:

أصلح الماء للأمزجة المعتدلة ما كان معتدلاً في شدة البرد أو كان تبريده بالجمد من خارج لا سيما إن كان الجمد رديئاً وكذلك الحال في الجمد الجيد أيضاً فإن المتحلل منه يضر بالأعصاب وأعضاء التنفس وبجملة الأحشاء ولا يحتمله إلا الدموي جداً إن لم يضره في الحال ضره على طول الأيام والإمعان في السن.
وقال أصحاب التجربة لا يجمع بين مائي البئر والنهر ما لم ينحدر أحدهما.
وأما اختيار الماء فقد دللنا عليه وكذلك إصلاح الرديء منه والمزج بالخل يصلحه.
واعلم أن الشرب على الريق وعلى الرياضة والاستحمام خصوصاً مع خلاء البطن وكذلك طاعة العطش الكاذب في الليل كما يعرض للسكارى والمخمورين وعند اشتغال الطبيعة بهضم الغذاء ضار وقد سبق أن الري الكافي ضار جداً بل يجب أن كان لا بد أن يجتزي بالهواء البارد والمضمضة بالماء البارد ثم إن لم يقنع بذلك فمن كوز ضيق الرأس.
على أن المخمور ربما انتفع بذلك وربما لم يضره إن شرب على الريق.
ومن لم يصبر على الشرب على الريق خصوصاً بعد رياضة فليشرب قبله شراباً ممزوجاً بماء حار وليعلم المبتلي بالعطش الكاذب أن النوم ومصابرته للعطش يسكنه لأن الطبيعة حينئذ تحلل المادة المعطشة وخصوصاً إذا جمع بين الصبر والنوم وإذا أطفئت الطبيعة المنضجة بالشرب طاعة له عود العطش لإقامة الخلط المعطش ويجب خصوصاً على صاحب العطش الكاذب أن لا يعب الماء عباً بل يمص منه مصاً.
وشرب البارد جداً رديء وءان كان لا بد منه فبعد طعام كاف والماء الفاتر يغثي والمسخن فوق ذلك إذا استكثر منه أوهن المعدة وإذا شرب في الأحيان غسل المعدة وأطلق الطبيعة.
وأما الشراب فالأبيض الرقيق أوفق للمحرورين ولا يصدع بل ربما رطب فيخفف الصداع الكائن من التهاب المعدة ويقوم المروق بالعسل والخبز مقامه خصوصاً إذا مزج قبل الشرب بساعتين.
وأما الشراب الغليظ الحلو فهو أوفق لمن يريد السمن والقوة وليكن من تسديده على حذر والعتيق الأحمر أوفق لصاحب المزاج البارد البلغمي وتناول الشراب على كل طعام من الأطعمة رديء على ما فزعنا من إعطاء علة ذلك فلا يشربن إلا بعد انهضامه وانحداره.
وأما الطعام الرديء الكيموس فشرب الشراب عليه وقت تناوله وبعد انهضامه رديء لأنه ينفذ الكيموس الرديء إلى أقاصي البدن وكذلك على الفواكه وخصوصاً البطيخ والابتداء بالصغار من الأقداح أولى من الكبار ولكن إن شرب على الطعام قدحين أو ثلاثة كان غير ضار للمعتاد وكذلك عقيب الفصد للصحيح.
والشراب ينفع الممرورين بإدرار المرة والمرطوبين بإنضاج الرطوية وكلما زادت عطريته وزاد طيبه وطاب طعمه فهو أوفق والشراب نعم المنفذ للغذاء قي جميع البدن وهو يقطع البلغم ويحلله ويخرج الصفراء في البول وغيره ويزلق السوداء فيخرج بسهولة ويقمع عاديتها بالمضادة ويحل كل منعقد من غير تسخين كثير غريب.
وسنذكر أصنافه قي موضعه ومن كان قوي الدماغ لم يسكر بسرعة ولم يقبل دماغه الأبخرة المتراقية الرديئة ولم يصل إليه من الشراب إلا حرارته الملائْمة فيصفو ذهنه ما لا يصفو بمثله أذهان آخرى ومن كان بالخلاف كان بالخلاف ومن كان في صدره وهن يضيق في الشتاء نفسه فلا يقدر أن يستكثر من الشراب شيئاً ومن أراد أن يسكتثر من الشراب فلا يمتلئن من الطعام وليجعل في طعامه ما يدر فإن عرض امتلاء من طعام وشراب فليقف وليشرب ماء العسل ثم يقذف أيضاً ثم يغسل فمه بخل وعسل ووجهه بماء بارد.
ومن تأذى من الشراب بسخونة البدن وحمى الكبد فليجعل غذاءه مثل الحصرمية ونحوها ونقله ماء الرمان وحماض الأترج ومن تأذى منه في ناحية رأسه قلّل وشرب الممزوج المروق وينقل عليه بمثل السفرجل وإن تأذّى في معدته بحرارتها فليتناول حب الآس المحمص وليمص شيئاً من أقراص الكافور وما فيه قبض وحموضة وإن كان تأذيه لبرودتها ينقل بالسعد وبالقرنفل وقشر الأترج.
واعلم أن الشراب العتيق في حكم الدواء ليس في حكم الغذاء وإن الشراب الحديث ضار بالكبد ومؤد إلى القيام الكبدي لنفخه وإسهاله.
واعلم أن خير الشراب هو المعتدل بين العتيق والحديث الصافي الأبيض إلى الحمرة الطيب الرائحة المعتدل الطعم لا حامض ولا حلو والشراب الجيد المعروف بالمغسول وهو أن يتخذ ثلاثة أجزاء من السعتر وجزءاً من الماء ويغلي حتى يذهب ثلثه ومن أصابه من شرب الشراب لذع مصّ بعده الرمان والماء البارد وشراب الإفسنتين من الغد واستعمل الحمام وقد تناول شيئاً يسيراً.
واعلم أن الممزوج يرخّي المعدة ويرطّبها وهو يسكر أسرع لتنفيذ المائية ولكن ذلك يجلو البشرة ويصفي القوى النفسانية وليجتنب العاقل تناول الشراب على الريق أو قبل استيفاء الأعضاء من الماء في المرطوبين أو عقيب حركة مفرطة فإن هذين ضاران بالدماغ والعصب ويوقعان في التشنّج واختلاط العقل أو في مرض أو فضل حار.
والسكر المتواتر رديء جداً يفسد مزاج الكبد والدماغ ويضعف العصب ويورث أمراض العصب والسكتة والموت فجأة.
والشراب الكثير يستحيل صفراء رديئة في بعض المعد وخلا حاذقاً في بعض المعد وضررهما جميعاً عظيم.
وقد رأى بعضهم أن السكر إذا وقع في الشهر مرة أو مرتين نفع بما يخفف من القوى النفسانية ويريح بدر البول والعرق ويحلل الفضول سيما من المعدة.
وليعلم أن غالب ضرر الشراب إنما هو بالدماغ فلا يشربنه ضعيف الدماغ إلا قليلاً وممزوجاً والصواب لمن يمتلىء من الشراب أن يبادر إلى القيء فإن سهل وإلا شرب عليه ماء كثيراً وحده أو مع عسل ثم استحم بعد القيء بالأبزن وتمرخ بدهن كثير وينام.
والصبيان شربهم الشراب كزيادة نار على نار في حطب ضعيف وما احتمل الشيخ فاسقه وعدل الشبان فيه.
والأولى للشبان أن يشربوا الشراب العتيق ممزوجاً بماء الرمان أو ممزوجاً بالماء البارد كي يبعد عن الضرر ولا يحترق مزاجهم والبلد البارد يحتمل الشرب فيه والحار لا يحتمله ومن أراد الامتلاء من الشراب فلا يمتلىء من الطعام ولا يأكل الحلو بل يتحسى من الأسفيذاح الدسم ويتناول ثريدة دسمة ولحماً دسماً مجزعاً واعتدل ولم يتعب ويتنقل باللوز والعدس المفلحين وكامخ الكبر وإن أكل الكرنبية وزيتون الماء ونحوه نفع وأعان على الشرب وكذلك جميع ما يجفف البخار مثل بزر الكرنب النبطي والكمّون والسذاب اليابس والفوذنج والملح النفطي والنانخواه والأغذية التي فيها لزوجة وتغرية وربما غلظت البخار وذلك مثل الدسومات الحلوة اللزجة فإنها تمنع السكر وإن كانت لا تقبل الشراب الكثير بسبب أنها بطيئة النفوذ.
وسرعة السكر تكون لضعف الدماغ أو لكثرة الأخلاط فيه وتكون لقوة الشراب وتكون لقلة الغذاء وسوء التدبير فيه وفيما يتصل به.
والذي لضعف الرأس فعلاجه علاج النزلة المتقادمة من اللطوخات المذكورة في ذلك الباب ولا يشربن منه إلا قليلاً.
شراب يبطىء بالسكر.
يؤخذ من ماء الكرنب الأبيض جزء ومن ماء الرمان الحامض جزء ومن الخل نصف جزء ويغلي غليات ويشرب منه قبل الشراب أوقية وأيضاً يتخذ حب من الملح والسذاب والكمون الأسود ويجفف ويتناول حبة بعد حبة وأيضاً يؤخذ بزر الكرنب النبطي والكمُون واللوز المر المقشر والفوتنج والإفسنتين والملح النفطي والنانخواه والسذاب اليابس ويشرب منه من لا يخاف مضرة من حرارته وزن درهمين بماء بارد على الريق ومما يصحي السكران أن يسقى الماء والخل ثلاث مرات متواترة أو ماء المصل والرائب الحامض ويتشمم الكافور والصندل أو يجعل على رأسه المبردات الرادعة مثل دهن ورد بخل خمر.
وأما علاج الخمار فنذكره في الجزئيات.
ومن أراد أن يسكر بسرعة من غير مضرّة: نَقَعَ في الشراب الأشنة أو العود الهندي ومن احتاج إلى سكر شديد لعلاج عضو علاجاً مؤلماً جعل في شرابه ماء الشيلم أو يأخذ من الشاهترج والأفيون والبنج أجزاء سواء نصف درهم نصف درهم ومن جوزبوا والسك والعود الخام قيراطاً قيراطاً ويسقى منه في الشراب قدر الحاجة أو يطبخ البنج الأسود وقشور اليبروح في الماء حتى يحمر ويمزج به الشراب.

.الفصل التاسع: النوم واليقظة:

أما الكلام في سبب النوم الطبيعي والسبات وضدهما من اليقظة والأرق وما يجب أن يفعل في جلب كل واحد منها ودفعه إذا كان مؤذياً وما يدل عليه كل واحد منها وغير ذلك فقد قيل منه شيء في موضعه وسيقال في الطب الجزئي.
وأما الذي يقال في هذا الموضع فهو أن النوم المعتدل ممكن للقوة الطبيعية من أفعالها مريح للقوة النفسانية مكثر من جوهره حتى إنه ربما عاد لإرخائه مانعاً من تحلل الروح أي روح كانت ولذلك يهضم الطعم الهضوم المذكورة ويتدارك به الضعف الكائن عن أصناف التحلل ما كان من إعياء وما كان من مثل الجماع والغضب ونحو ذلك. والنوم المعتدل إذا صادف اعتدال الأخلاط في الحكم والكيف فهو مرطّب مسخن وهو أنفع ثيء للمشايخ فإنه يحفظ عليهم الرطربة ويعيدها ولذلك ذكر جالينوس أنه يتناول كل ليلة بقيلة خس مطيب فأما الخس فلينومه وأما التطييب فليتدارك به تبريده.
قال: فإني الآن على النوم حريص أي أني اليوم شيخ ينفعني ترطيب النوم وهذا أنعم التدبير لمن يعصاه النوم وإن قدم عليه حماماً بعد استكمال هضم الغذاء المتناول واستكثاراً من صب الماء الحار على الرأس فإنه نعم المعين.
وأما التدبير الذي هو أقوى من ذلك فنذكره في المعالجات فيجب على الأصحاء أن يراعوا أمر النوم وليكونوا منه على اعتدال وفي وقته ولا يفرطوا فيه وليتقوا ضرر السهر بأدمغتهم وبقواهم كلها وكثيراً ما يكلف الإنسان السهر ويطرد عنه النوم خوفاً من الغشي وسقوط القوة.
وأفضل النوم الغرق وما كان بعد انحدار الطعام من البطن الأعلى وسكون ما عسى يتبعه من النفخ والقراقر فإن النوم على ذلك ضار من وجوه كثيرة بل ولا يطيب ولا يتصل ولا يفارق التململ والتقلب وهو ضار وهو مع ضرره مؤذ لصاحبه فلذلك يجب أن يتمشى يسيراً إلى والنوم على الخوى رديء مسقط للقوة وعلى الامتلاء قبل الانحدار من البطن الأعلى رديء لأنه لا يكون غرقاً بل يكون مع تململ كما تشتغل فيه الطبيعة بما تشتغل به في حال النوم من الهضم عارضها استيقاظ مزعج محيّر فتتبلد معه الطبيعة فيفسد الهضم.
ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل ويفسد اللون ويورث الطحال ويرخي العصب ويكسل ويضعف الشهوة ويورث الأورام والحميات كثيراً.
ومن أسباب آفاته سرعة انقطاعه وتبلد الطبيعة عما كانت فيه.
ومن فضائل نوم الليل أنه تام مستمر غرق على أن معتاد النوم بالنهار لا يجب أن يهجره دفعة بغير تدريج.
وأما أفضل هيئات النوم فأن يبتدىء على اليمين ثم ينقلب على اليسار طباً وشرعاً فإذا ابتدأ على البطن أعان على الهضم معونة جيدة لما يحقن به من الحار الغريزي ويحصره فيكثر وأما الاستلقاء فهو نوم رديء يهيىء للأمراض الرديئة مثل السكتة والفالج والكابوس وذلك لأنه يميل بالفضول إلى خلف فيحتبس عن مجاريها التي هي إلى قدام مثل المنخرين والحنك والنوم على الإستلقاء من عادة الضعفى من المرضى لما يعرض لعضلاتهم من الضعف ولأعضائهم فلا يحمل جنب جنباً بل يسرع إلى الاستلقاء على الظهر إذ الظهر أقوى من الجنب ومثل هذا ما ينامون فاغرين لضعف العضل التي بها يجمعون الفكين.
ولهذا بابان قد ذكرناهما في الكتب الجزئية وقد استوفينا الكلام في ذلك.

.الفصل العاشر: فيما يجب أن يؤخر عن هذا الموضع:

مما يذكر في مثل هذا الموضع هو أمر الجماع وتعديله وتدارك ضرره ونحن نؤخر القول فيه إلى الكتب الجزئية.
ومما يقال ههنا أيضاً أمر الأدوية المسهلة وتدارك ضررها.
ونحن أيضاً نؤخر الكلام في بعضه إلى مقالتنا في العلاج وفي بعضه إلى كلامنا في الأدوية المسهلة إلا أنَّا نقول يجب على مستحفظ الصحة أن يتعاهد الاستفراغ السهل والإدرار والتعريق والنفث وتتعاهده النساء بالطمث مما نوضحه ونعرفه في موضعه.

.الفصل الحادي عشر: تقوية الأعضاء الضعيفة وتسمينها وتعظيم حجمها:

فنقول: الأعضاء الضعيفة والصغيرة تقوى وتعظم أما فيمن هو بعد في سن النمو والنشو فبالتغذية وأما في المسنين فبالدلك المعتدل والرياضة الدائمة التي تخصّها ثم تطلى بالزفت وحصر النفس داخله في هذا الباب خصوصاً إذا كان العضو مجاور للصدر والرئة مثال ذلك من كان قصيف الساقين فإنا نأمره بالإحصار اليسير والدلك المعتدل ونطليه بالطلاء الزفتي ثم في اليوم الثاني يحفظ الدلك بحاله ويزيد في الرياضة وفي الثالث يحفظ أيضاً الدلك بحاله ويزيد في الرياضة إلا أن يظهر دليل اتساع العروق وانصباب الموادّ فيخاف في كل عضو حدوث الورم والآفة الامتلائية التي تخصه كما يخاف ههنا الدوالي وداء الفيل وإذا ظهر شيء من هذا الجنس نقصنا ما كنا نفعله من الرياضة والدلك بل أمسكنا واضجعناه وأشلنا بذلك العضو مثلاً في ضامر الساق برجله ودلكناه عكس الدلك الأول وابتدأنا من طرفه إلى أصله.
وإن أردنا ذلك بعضو مقارب لأعضاء التنفس وكان مثلاً الصدر فليقمط ما تحته بقماط وسط الشد معتدل العرض ثم نأمر أن يستعمل رياضات اليدين وحصر النفس الشديد والصياح والصوت العظيم والدلك الرقيق ثم سيأتيك في الكتب الجزئية تفصيل لهذه الجملة مستقصى فانتظره في كتاب الزينة.